خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1423هـ .. للشيخ محمد الهبدان

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها المسلمون :

إني في حيرة من أمري ..أيليق في مثل هذا اليوم ..الذي يفرح به المسلمون بيوم عيدهم ..ويهنأ بعضهم بعضا على إتمام الصيام والقيام ..أن أطرق في آذانكم وأهمس في أسماعكم ..ما يحاك لكم في الخفاء ..بل أصبحت القضية علناً يجاهر بها في وسائل الإعلام ..وتتناقله وكالات الأنباء ..كل يعلم غطرسة حامية الصليب ..وكلنا يدرك أبعاد الحملة الأمريكية على العالم الإسلامي ..

وهي تسير في مخططها ..وتقتنص ضحاياها ..ضحية تلو ضحية ..فبدأت بأفغانستان ..وشاهدنا وشاهد العالم ..ماذا فعلت من جرائم تفوق الخيال ..وهاهي تعرج على العراق ..بعد حصار دام سنين عددا ..ثم تأتي البقية تباعاً ..وأنتم الهدف الأكبر للعدو الأمريكي ..

فقد سمعتم في الأيام الماضية التصريحات الأمريكية ، والتهديدات التي تنذر بشرر كالقصر ، ومن طبيعية حامية الصليب..أنها لا تثير الكلام ..ولا تلقي التصريحات هكذا جزافاً ..بل إنهم يبتون شراً ، وقد أضمروا حربا على كافة المستويات الدينية والاقتصادية والعسكرية ، وكما يقال : الحرب أولها كلام .

توقَّ الأذى من كلّ نَذْلٍ وساقطٍ ........... فكم قد تأذّى بالأراذِلِ سيّدُ

وإن المرء لا يعجب من هذه التصريحات ..ولا يستغرب مثل هذه الكتابات..

لأن الله تعالى أخبرنا عن حقدهم الدفين منذ أربعة عشر قرنا من الزمان { ودوا لو تكفرون كما كفروا } { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين إن ينزل عليكم من خير من ربكم } وأخبرنا أنهم لا يزالون يقاتلوننا فقال سبحانه { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }

لكن العجب كل العجب ..من أن عدونا على قدم وساق في الاستعداد لشن حملة صليبية حاقدة ..ونحن على قدم وساق في الاستعداد لحفلات الأعياد ووضع الزينات في الشوارع والطرقات ..عدونا يمتلك الأسلحة الفتاكة ،والصواريخ العابرة للقارات ، والرؤوس النووية ..ونحن نمتلك رؤوس أموال مكدسة في بنوك غربية ..عدونا يخطط لضربنا والقضاء علينا ..ونحن لا نزال منغمسين في الترف والمباحات ..وغارقين في اللهو واللعب والترهات ..عدونا يحشد أصوات المؤيدين لضرباته ..ونصرة قضيته الظالمة ..ونحن نحشد المغنين والفرق الموسيقية لتغييب الإيمان في قلوب شبابنا وفتياتنا ..

أبناء القردة والخنازير يتراقصون على أشلاء إخواننا في فلسطين الجريحة ..ونحن نتراقص على أنغام الموسيقى الصاخبة ..عدونا يمارس معنا وسيلة الإذلال والإهانة ..ونحن نمارس معه مزيداً من الانبطاح .. فمن أجله تنشأ النوادي النسائية !!
ومن أجله تقحم المرأة في ميادين الرجال !!
ومن أجله تقود المرأة السيارة !!
ومن أجله يقضى على الدين ..
{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }

أيليق بنا أيها المسلمون ونحن في ظل ظروف صعبة حرجة حالكة ..أن تبقى حياتنا كما هي ..لا تتغير ..ولا تتبدل ..هل تنتظرون اليوم الذي يأتي فنصبح فيه أسارى في أيدي عباد الصليب و أحفاد القردة والخنازير ؟!! لاسيما وقد شاهدنا المعاملة القاسية لإخواننا في كوبا التي لايعامل بها الحيوان فضلا عن إنسان قد كرمه الله!!
هل تنتظرون اليوم الذي تحصل فيه مجزرة تسيل منها دماء أبناءكم في الطرقات ؟
هل تنتظرون أن يأتي اليوم الذي تنتهك فيه أعراضكم ؟

إنهم لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة ..
لقد رأينا ما فعلوا بإخواننا في أفغانستان ...

أليست هذه دروس عملية لننتبه من غفلتنا..ونستيقظ من رقدتنا ؟
إن استمرارنا على لهونا وعبثنا ..وانغماسنا في حياتنا وشهواتنا ..دون اهتمام في رصد عدونا ..وعودة إلى ربنا .. إنه إيذان بزوالنا ..

يقول الله جل في علاه :{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا }

والله إننا لنخشى أن يصيبنا ما أصاب غيرنا من الأمم..فبينا هم في نومهم غارقون ..وفي أحلامهم سادرون ..وفي سكرتهم يعمهون ..

إذ بهم يفاجئون بصبح وساء صباح المنذرين ..يقول جبير بن نفير : لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض ..ورأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟
قال : ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى ..نعم تركوا أمر الله تعالى ..فلم يمتثلوا ..تركوا أمر الله فلم يستجيبوا ...جاءتهم النذر من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ..

ولكن ما تذكروا ولا اعتبروا ..فحقت كلمة العذاب على القوم الظالمين .

الله أكبر ..الله أكبر ..لا إله إلا الله ..الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..

أيها المسلمون :
إن الله تعالى أمرنا بالإعداد والاستعداد فقال :{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } لابد من الإعداد والتهيأ لأي ظرف طارئ ..فالأمر لا يحتمل مزيداً من الترف والفسق والضياع ..خاصة ونحن نواجه عدوا خارجيا وعدوا داخليا وهم الرافضة والمنافقون ..فلابد من إعداد النفوس وتربية الأجيال على الجندية والشجاعة ..والبطولة والبسالة ..لابد أن يتهيأ الناس لوقت الأزمات ..لابد من تأهيل المجتمع في أي طارئ يطرأ أو حادث يحدث ؟

ماذا يفعل الناس لو اختل الأمن لا سمح الله في حال الحرب ؟
ماذا يفعل الناس لو قل الماء ؟
ماذا يفعل الناس لو قل الوقود ؟
ماذا يفعل الناس لو قل التموين ؟

وغيرها من القضايا التي نحتاج إليها في حال الأزمات والملمات .. فكفى أيها الناس ضياعاً وانشغالاً بالترهات ..كفى انشغالاً بالأغاني الماجنات ..والكرة والدوريات ..والأفلام والسهرات ..

يقول الله جلال في علاه : { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين }

أيها المسلمون :

لقد آن الأوان للأمة أن تفيق من غفلتها ..وتعود إلى رشدها ..وتتمسك بهدي ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم حتى يعود لنا تاريخنا المجيد ..ونسطر صفحات البطولة والفداء.

فيا أيها العلماء الربانيون ، والدعاة الصادقون أيقظوا الأمة من رقدتها ، وأحيوا فيها روح الجهاد و لنرفع الذل الذي أصابها فالعلماء هم قادة الأمة في الملمات ، وهم نورها في المدلهمات .

ويا أيها المعلمون والمربون : إنكم مؤتمنون على من تحت أيديكم من الطلاب والمتعلمين فاغرسوا فيهم روح الولاء والبراء ، عمقوا في نفوسهم محبة الله ورسوله والمؤمنين ، وبغض الكافرين والمنافقين ، ربوهم على سير الأخيار الأطهار من الصحابة والتابعين وأبطال الإسلام ..

ذكروهم بسيرة مصعب الداعية المجاهد الشهيد ، ربوهم على الجد والحزم ، وأعدوهم للجهاد والاستشهاد فداءا لدين الله تعالى .

وأنتم أيها الآباء والأولياء : آن لكم أن تنبذوا حياة الترف واللهو ، وتربوا أبناءكم ومن تحت أيديكم تربية جهادية صادقة .

ويا أيتها الأمهات : إن لكنّ دوراً عظيماً في غرس المعاني الفاضلة والطموحات السامية في نفوس أبنائكن ، فعلى أي شيء تربين أبناءك ؟ ولأي شيء تعدينهم ؟
هل تعدينهم لينالوا من الدنيا مالاً ومنصبا ؟
ثم ماذا ؟

ما أبعدَ العِزَّ عن بيتٍ وعن وطنٍ ........ بالذلِّ فيه تُربي الأمُ مَنْ تَلِدُ

أم تعدينهم لنصرة الدين وإعلاء كلمة التوحيد والشهادة في سبيل الله ليكون اللقاء في جنات عدن عند مليك مقتدر .

أيها الناس : أيقظوا الإيمان في النفوس ،فنحن والذي نفسي بيده بأمس الحاجة إليه خاصة ونحن الآن في وقت المحن والشدائد فهل من عودة صادقة إلى الله ؟
هل من رجعة إلى الله ؟
هل من تضرع والتجاء إلى الله ؟

إذا ما حَذِرْتَ الأمرَ فاجْعَلْ إزاءَهُ ........ رجوعاً إلى ربٍّ يَقِيك المحاذرا

ولا تخْشَ أمراً أنت فيه مُفَوِّضٌ ...... إلى الله غاياتٍ له ومصـادِرا

الخطبة الثانية

لقد كان من هدي النبيِ المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخصِّصَ جزءاً من موعظتِه للنساءِ .. وما ذلك ..إلا للمكانةِ التي تحظى بها المرأةُ المسلمةُ عند رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيا فتاةَ الإسلامِ إن العدو يراهن في إفساد هذا الشعب من خلالك أنت ..

فهم يطالبون عبر أذنابهم ..بإنشاء النوادي النسائية ..وقيادة المرأة للسيارة ..وإخراج البطاقة لك ..وإقحامك في دوامة الرجال ..فهم يطالبون أن تعملي في الفنادق ..وينادون بأن تعملي في المصانع .. وتعملي في كل مجال ..سواء ناسب طبيعتك أم لا ..ولابد أن تدركي يا أخية أن ما يفعلونه والذي نفسي بيده ليس حباً لسواد عينيك ..ولا حرصا على مصلحتك ..ولكن الهدف الذي جندوا له كافة جهودهم وسخروا له جل إمكاناتهم ..هو القضاء على عفافك وحجابك ..ليتسنى لهم إشباع رغباتهم من بنات الطهر والعفاف ..فتصبحين لقمة سائغة في أفواههم ..ثم يجري عليك ما يجري على المرأة الغربية ..الذي ضاعت حقوقها في ظل الحرية المزعومة ..فأصبحت تبحث عن لقمة العيش ..وتبتز جنسياً في كل مكان ..وتتعرض للاغتصاب وتسلط الرجال..
لقد جرى عليها من المآسي ما إن تأملتيه لعرفت أنك في نعمة كبرى .. ومنحة عظمى ..تستحق منك أن تعظي عليها بالنواجذ ..

أيتها المسلمة :
إن الشرع لا يمانع أن تعمل المرأة وفق الضوابط الشرعية لكن يا أخية ..أيهما أولى بالعمل أنت أم الشباب ؟
ومن هم هؤلاء الشباب ؟
إنهم أبناؤك .. وإخوانك .. ومحارمك ..أترضين أن يبقى هؤلاء عاطلين.. وفي الشوارع متسكعين..وأنت الذي تعملين ؟
أترضين أن يبقى الرجل في المنزل ليتابع الأولاد وأنت تذهبين لطلب الرزق ؟
ألا يعد ذلك انتكاسة في القيم والمبادئ ..ومخالفة للسنة الربانية ..في أن الذي يعمل ويكدح هو الرجل ..فهو المطالب بخدمتك وقضاء حوائجك ؟
أليس البيت هو مملكتك ..ومقر عملك الأصلي ؟
ترعين فيه الزوج والأولاد ..وتديرين شؤون المنزل .. يقول الله تعالى :{ وقرن في بيوتكن }
فأنت مأمورة بالبقاء في المنزل وألا تنشغلي عنه بغيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم أناط مسؤولية المنزل بك أنت فقال : " والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها " رواه مسلم .

أيتها المسلمة : يجب ألا يطغى عليك حب المال ..والخروج من المنزل .. من فعل الأصلح لك ولأمتك ..فإن البلاء إذا حل عم الجميع ..وستكون العاقبة وخيمة على أبناءك في المستقبل ..وعلى بناتك ..
نعم .. سيكون هؤلاء هم الضحية الثانية بعدك من جراء اللهث وراء بريق المادة ؟
خاصة وقد أدركت أن هذه الفرص الوظيفية التي تتاح لك الآن ستؤثر سلباً على المجتمع الذي تعيشين فيه من جراء اختلاطك بالرجال الأجانب الذي يعد بؤرة للفساد..وكثرة البطالة في صفوف الشباب .. وتفكك الأسر وتشردها وضياع أفرادها ..كل ذلك وغيره مما يطول الحديث بذكرها ..يحصل من أجل حفنة من الريالات ..تذهب في لذة عابرة ..أو متعة غابرة ..أمن أجل هذا المتاع الزائل تضحين بمصلحة شعب كامل ؟

بعد أن ضحيت بأهم وظيفة اختارها لك ربك عز وجل وارتضاها لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أشرف وظيفة وأجل رسالة وأكرم مهمة ..ألا وهي بقاءك في بيتك ..وبين أبناءك ..تخرجين للأمة أجيالا كرما ..ورجالا فضلاء ..يحمون الذمار ..ويقاتلون الكفار .. ويسترخصون الأعمار من أجل دينهم وأمتهم ..ويكونون مثالا يحتذى .. ونبراساً يهتدى .. ويعيدون للأمة مجدها التليد ..وعزها السليب .. وتاريخها المجيد .. ويبنون ما كانت أوائلهم تبني .. بل خيرا مما كانوا يصنعون ؟!!

فهل من عودة صادقة ..وتفكير جاد في العواقب ودراسة متأنية في المصالح والمفاسد .. وتذكري أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه ..

واعلمي أن بقاءك في المنزل ورعايتك لأبنائك وزوجك يكتب الله لك مثل أجر المجاهدين في سبيل الله تعالى فيا لها من منزلة عظيمة ، ونعمة كريمة خصك الله تعالى بها ، وحباك إياها فاحمد الله تعالى واشكريه .

الله أكبر ..الله أكبر ..لا إله إلا الله ..الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..

أيها الأخوةُ وأيتها الأخواتُ إن لنا إخواناً في الشيشانِ وأفغانستانَ وفلسطينَ ينامونَ على أزيزِ الطائراتِ ، وأصواتِ المدافعِ والرشاشاتِ ..قد أتاهم عيدُنا وهم بين جريحٍ وطريدٍ ومريضٍ وشريدٍ ..قد اعتاضوا عن الفرحةِ بالبكاءِ ، وحلَّ محلَّ البهجةِ الأنينُ والعناءُ ..
فكم من يتيمٍ ينشدُ عطفَ الأبوةِ الحانيةِ ، ويتلمَّسُ حنانَ الأمِ الرؤومِ ..
كم من أرملةٍ توالتْ عليها المحنُ ..فقدَتْ عشيرَها تذكرَتْ بالعيدِ عزاً قد مضى تحتَ كنفِ زوجٍ عطوفٍ ، كلُ أولئك وأمثالُهم قد استبدلوا بالعزِ ذلاً ، وبالرخاءِ والهناءِ فاقةً وفقراً ..
فحقٌ على كلِ ذي نعمةٍ ممن صامَ وقامَ أن يتذكرَ هؤلاءِ .

ولذا سنجمعُ إن شاءَ اللهُ تعالى ما نحققُ من خلالها معنى الإخاءِ في مثلِ هذا اليومِ الذي يجعلنا نشعرُ بالجسدِ الواحدِ فأنفقوا ينفقِ اللهُ عليكم ويُخلفْ لكم خيراً وأنفقنَ أيتها الأخواتُ فإن النبيَ صلى الله عليه وسلم رآكنَّ أكثرَ أهلِ النارِ وأمركنَّ بالصدقةِ.

أحبتي الكرامُ هاهو رمضانُ قد انتهى ..فيا تُرى من السعيدُ فنُهنيْه .. ومن المحرومُ فنعزيْه ، أيها المقبولُ هنيئاً لك ، أيها المردودُ جبر اللُه مصيبتَك .

تقبلَ اللهُ منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وجعلنا وإياكم ووالدينا وجميعَ المسلمين من الذين خُتم لهم شهرُ رمضانَ بالرضى والرضوانِ والفوزِ بالجنانِ والنجاةِ من النيرانِ إنه سميع مجيب الدعواتِ، وأنْ يعيد على أمة الإسلام هذا العيد وهي تزهو بثوب النصر والعزة والكرامة، وصلى الله و سلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .


لله درك يا ابا عبدالله

اخوكم اجا منقول من منتدي الحياة