اقتباس:
الشاعر أحمد مطر :
س/ قيل أن أعذب الشعر أكذبه. ما هو رأيكم بهذه المقولة؟ وما هي وظيفة الشعر في رأيكم؟
ج/ - الناقد الذي قال قديماً إن " أعذب الشعر أكذبه " لم يكن يقصد بالطبع جانبه الأخلاقي أو الوطني أو المبدئي إطلاقاً، إنما قصد الجانب الفني الجمالي في الشعر، وهو بهذا لم يخطىء ، فكثير من موارد البلاغة هو كذب جميل، لكنه كذب وظيفته إيصال الحقائق بصور مدهشة وعذبة، لأن الحقائق مهما سمت، لا تصنع شعراً. أما إذا غدت تلك العبارة النقدية ذات النية الحسنة، عباءة فضفاضة يتلفع بها كل مدلس ومنافق ومتملق ومرتزق، فينبغي أن نصرخ ملء أفواهنا أن " أعذب الشعر أصدقه " لأن وصف حاكم ظالم بأنه عادل، أو وصف حكومة جائرة بأنها منصفة، وفق كل أساليب البلاغة الجميلة، هو أمر لاصلة له بالعذوبة لكنه ذو صلة بالعذاب. وذلك ما يحملنا على احتقار جماليات مثل تلك القصائد بسبب قباحات مواضيعها. فكما أن الصدق وحده بغير جمال ، لا يكفي لصناعة شعر جيد، كذلك لا يكفي الجمال وحده دون صدق، لصناعة شعر جيد. وربما يكون انحيازنا للصدق القبيح مسوغاً أكثر من انحيازنا للجمال الكاذب.
فهو كشاعر وصف البلاغه بالكذب الجميل . .
اقتباس:
يستشهد به في الجانب الفني على الإيغال في المبالغة إلى حدّ الخروج عن حدود المعقولية، ولعل هذا معنى قولهم "أعذب الشعر أكذبه". وقد تساهل أهل النقد في الموضوع بإجازتهم هذا النحو من القول على اعتبار أنه كذب فني، وأن الشاعر يطلب بعمله تحسين كلامه بخلاف الكذب الخلقي الذي يتغيى صاحبه تحقيق كلامه.
وبالمقياس الديني فالبيت شحن بمزلق كفري تورط فيه قلم الشاعر بقصد أو بغير قصد، وأن مسؤوليته قائمة على رأي من قال "من فمك أدينك" أو قولهم "يكاد المريب يقول خذوني"، وما كان أغناه عن هذا الانحراف العقدي - وفي اللغة متسع - حتى ليقال عنه أكفر بيت. لهذا نجد نماذج التوجيه النبوي في سماع الشعر تركز على الشق المضموني وما يستقر في الأذهان من ظلال الكلمة ومن ذلك ما جاء في الخبر من "حديث النابغة الجعدي قال : أنشدت رسول الله (ص) قولي :
بلغنا السماء مجدنا وجدودُنا = وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال النبي (ص) : أين المظهر يا أبا ليلى ؟ فقلت إلى الجنة يا رسول قال : أجل إنشاء الله "9. فالنبي الأكرم يوجهه هنا الوجهة التي ينبغي أن يسلكها في التعامل مع الكلمة ومقام الالتزام يقتضيه الاعتدال في القول والإنصاف من نفسه، وألا يتعلق المرء بأوهام لا رصيد لها من الواقع لأن ذلك يبعد المرء عن واقعه العملي، ويستهلك قدراته في الاتجاه الخاطيء ويقع في المحظور.
والنهايه :