لا شك أن المرء معرّض للأخطاء فهو لم يكن يوماً بعيداً عن تلك الدائرة
التي تجعله غير معصوماً دون غيره.. أنه طرف أساسي عندما يشترك
في التقصير ويقبله على نفسه ليكون أحد المرتشين فيبقى أحد الذين وصفهم
رسولنا الكريم في تلك اللعنة..
ولكن أن حاولت أن أوقع اللوم على أحد فأني أوقعه على الدولة أولاً
لأنها هي الحاضنة هي الأم التي تعطف على أبنائها.. قد تكون شديدة
في تربيتها.. ولكن حتماً تكون أكثر رفقاً بهم وتحاول أن تجلب لهم
بيئة تضمن لهم مستقبل واعي وناضج.. ولا تضع أمامهم شروطاً
قد تكون العائق الأكبر والضربة القاضية لإنهاء حياتهم فيصبحوا
مشردين لا يجدوا مآوى لهم في أرضهم ولا عملاً يضمن لهم مستقبلهم..
ولكن أن تضع الدولة مسؤلين مرتشين غير اكفاء لعملهم لا يحملون
ضميراً في داخلهم يجعلها غير مؤهلة لتكون في منزلة الأم وغير
أمينه على حياة شعبها لأنها في أوامرها قد وضعت المفسدين
ليفسدوا في الأرض ويعملوا على مصالح الشعب بغير ضمير ولا حياء
لهذا لكي نعاقب المواطن المرتشي يجب أولاً أن نعاقب من سمح بها
وأخذها منه فلو لم يكن مرتشياً ما أقدم ذلك المواطن عليها وتجرأ فيها..
فأن كان مسؤلاً يجب معاقبته وإنزاله من منصبه وأن كانت هي دولة
جميها تعمل بذلك فعليها أن تستقيل فهي غير مؤتمنة على حياة شعبها..
وتستحق من ينتقدها ويرفض شروطها التي لا تقبلها الأم على أبنها..
مجمل الحديث أن المرء في زماننا هذا معرّض لإغراءات كثيرة
يفقد من خلالها نفسه وضميره.. فهو مواطن لم يجد العدل في وطنه
وكان بها الكثير من التقصير ولكي ينهي همومه ومشاكله وجد أمامه
ذلك الموظف المرتشي الذي يكون المنقذ له في خلاصه من مشاكله وهمومه
وقد يلحق ذلك المواطن ذنباً عظيماً في رشوته.. ولكن ذلك الموظف
هو المروّج لتلك الرشوة وما دامت الدولة قد وضعته وتهاونت في وضعه
وتركته في عمله تكون هي الأكبر في ذلك الأثم لأنها بمنزلة الحاضنة والخلية
التي ينتشر منها كل شئ لهذا يجب أولاً أن تكون الدولة هي الفضيلة
نفسها التي لا يخرج منها غير كل فضيل..
عزيزي عبدالرحمن الكاتب الرائع موضوع قيّم جداً وبصياغة أكثر روعة
فلك مني كل الشكر والتقدير.