نحن و الحب . . .
by
, 24-03-2010 at 02:28 (5230 المشاهدات)
قالت:
أيهما أبقى الحب الأول أم الحب الثاني.. ؟
قلت:
الحب الأول هو أجمل ما لمس أرواحنا.. وخاطب مشاعرنا.. فيبقى الأجمل في جميع مراحلنا..
أما الحب الثاني أجده في كثير من الأحيان ما هو إلاّ مجرد نجاح علاقة فرضته علينا ظروف الحياة..
قالت:
معنى هذا أنك تقصد أن لا حب بعد الحب الأول..
قلت:
الحب الأول هو أول ما سكن قلوبنا.. وداعب أحاسيسنا.. وأعطيناه جميع ما لدينا دون غيره من باقي الأشياء..
فتعلمنا منه الكثير.. وأدركنا منه ما لم ندركه من قبله.. أما الحب الثاني نجاحه من تجارب الحب الأول وذكرياته..
ذلك الحب الذي جاء إلينا ونحن لا نعرف في الحياة شيئاً سوى أننا صادقين بتلك المشاعر..
وحينما سقط منا من أحببنا.. سقط وجوده من حياتنا.. ولكن بقيت مشاعرنا ومغامراتنا فينا..
لتكون الوسيلة لنجاحنا لأيّ حباً بعده يأتينا..
قالت:
وهل تعتقد أن الحب الحقيقي الطاهر يتنفس في عالمنا اليوم..
وهل كل من أحب لأول مرة في حياته كان صادقاً في حبه.. !؟
قلت:
ليس شرطاً أن يكون حباً.. ولكن ما أراه اليوم ليس الحب على هيئته الحقيقية.. ولا صورته الواضحة..
وإنما هو مجموعة أقنعة.. تختفي خلفها مشاعر زائفة.. لا نبض فيها ولا إحساس..
وفي جو كهذا وعلى كثرة الأقنعة القابعة فيه.. تجدين أنه من الصعب أن ترين من بينها وجهاً للحب صادقاً يبقى طويلاً..
وأن وجدتِ غير هذا فأن ذلك هو مجرد علاقة ناجحة مبنية على التفاهم لا أكثر..
أني تحدثتُ مع أحد الأصدقاء ودار بيننا حديثاً مطولاً.. ومن بينه أنه قال لي:
أنه متزوج من امرأة رائعة يكن لها مشاعر صادقة ولكنه يرى في داخله إحساساً غريباً
يشعر فيه أنه يحتاج إلى امرأة أخرى.. مع أن حياته معها مازالت مستقرة
ولا تعكرها مشاكلهم اليومية التي تحدث في أيَّ علاقة زوجية.. ولكنه يجد في داخله حاجة ملحّه إلى ارتباطه بغيرها..
وأنه يبحث عن ذلك الحب الذي تمناه طوال حياته قبل زواجه.. ولكنه لم يجده في حاضره مع زوجته
لهذا أرى أن ما بينهم لم يكن حباً بل هوعلاقة ناجحة قائمة على التفاهم فيما بينهم.. ولم تسدَّ حاجاتهم العاطفية..
قالت:
ولكن يقولون أن التفاهم في الحياة الزوجية يخلق الحب بينهم.. !!
قلت:
هم قالوا ذلك ليكون فيه تعزية لأنفسهم ومشاعرهم على فقدانهم ذلك الحب الذي تمنوه طوال أعمارهم..
وليسدّّوا حاجتهم العاطفية.. ولكنهم بهذا كأنهم خدعوا أنفسهم بقولهم لها غداً يأتي الحب مع التفاهم..
فلا ننكر أبداً أن التفاهم من مميزات الحب وجماله.. وجميل أن يحاول الإنسان أن ينجب من التفاهم ذلك الحب..
ولكن مع محاولته في ذلك قد يتسلل الملل إلى حياته مما يتوقف بعده بحثه عن الحب..
والحب لا ينتظر كل ذلك الوقت.. أنه نور يخترق القلوب فيسكنها في وقتها..
وإن لم يكن في بدايته قد يكون الأمر في نهايته صعباً..
وخصوصاً أن التفاهم في هذا الزمن قد أصبح من أندر الأشياء كما كان الحب..
هل سمعتِ أن إنساناً أحب من أول نظرة.. وقالوا أن حبه مبني على التفاهم.. ؟
اعتقد لا لأن الحب يأتي في وقته..
قالت:
كأنك أوصلتني إلى يقين على أن التفاهم يأتي بعد الحب.. وبدلاً من أن يأتي منه الحب جاء هو منه..
قلت:
الحب الحقيقي يا سيدتي غير ما سمعتِ فيه وغير ما رأيتِ منه في عالمنا اليوم..
لقد تغيرت مفاهيمه لدى الكثير من الناس وأصبح منه أشكالاً كثيرة..
بحيث تخالطت المشاعر في بعضها لدرجة أنك لا تستطيعين أن تحدّدي مشاعرك من خلالها
أهي مشاعر حب أم مشاعر احتياج أم مشاعر زائفة وخادعة أو طائشة أو غيرها..
كل هذا سبباً رئيسياً جعلنا نستمع لمشاعر غيرنا قبل استماعنا لمشاعرنا.. وبدلاً من أن يقودنا الحب جعلنا غيره يقودنا..
أن الحب يا سيدتي عالماً واسعاً تتسع مفاهيمه في جميع الكون.. وأكثر البشر يراه كما تريد مزاجية عقله لا كما يريده الحب..
الحب الحقيقي هو بداية الأشياء.. ينطلق منه كل شيء.. ولا يتمثل بشيء غير صدقه وطهارته.. فأن ذهب صدقه ذهب بعيداً لمكان آخر..
أنه قادر على الرحيل فقط حينما يشعر أن الأرض غير أرضه.. والمشاعر غير مشاعره.. والأخلاق غير أخلاقه..
فلديه مقومات كثيرة تجعله يدرك كل تلك المتغيرات..
أن الحب وحده يخلق التفاهم.. لأن من أحببناه شعر بحبنا له.. وهذا الإحساس الذي بيننا أنجب جواً للتفاهم.. أو قابلية لقبول
الآخر في كل مفاهيمه.. سواء في الحب أو الحياة أو الأسلوب والتعامل أو غيره..
لهذا يأتي الحب أولاً كحاكم.. ويُسقط كل الفوارق.. ثم يأتي بعده القبول في كل شيء.. ثم التفاهم ويرى بعده كلاً منهما أنه متفق مع الآخر اتفاقاً كلياً في جميع مفاهيم الحياة.. ويليه بعده الانسجام.. ويأتي بعده التعوّد على بعضهما وصولاً إلى الشعور بأن أحدهما لا يستغني عن الآخر أبداً.. ويصبحوا وكأنهم خلقوا لبعضهم لتكون روحيهم في جسد واحد.. يجمعها الحب وحده ولا تفرق بينهم متغيرات الحياة من حولهم..
لأن الحب حينما يصدق في وجوده.. ويجد أن المحبين صادقين في حبهم.. فأن لديه قوة روحانية قادرة على حمايتهم من كل شيء..
ولا يعرف ولا يشعر بهذه القوه إلاّ من صدق ما بداخله..
قالت:
دائماً أسمع بمقولة أن الأذن تعشق قبل العين أحياناً.. فما رأيك في هذا.. !؟
قلت:
أن الحب الحقيقي شعاع روح.. إذا حضرت إلى الإنسان تسلل ضوءها إلى كل مخارجه لتثبت حالة حب طاهرة..
فهناك إنسان أحب عن طريق مسامعه.. ووجد حبه صادقاً ودام طويلاً..
فلو لم تحب الأذن قبل العين.. ما كنَّا سمعنا بهذه المقولة.. إلاّ وأنها قد حدثت وتجسدها إنساناً صادقاً في حبه..
وهناك أيضاً من تسمعين بامرأة أحبت رجلاً ولم تراه في حياتها.. فأحبته لأخلاقه وحديث الناس عنه..
فبقيت مخلصه له طوال عمرها.. مع أنه لا يعلم عنها شيئاً.. ولكنه بقي في أحلامها وأمانيها تنتظره..
وهناك من التقى بامرأة في رحلة قصيرة.. كاللقاء الذي يحدث في محطات الانتظار.. فترحل في أول محطة لها..
ويبقى حبها في داخله.. ويذكرها كثيراً في كلماته وأشعاره.. مع أن لا وجود لها في حياته غير تلك اللحظة..
لهذا أن الحب روح تبقى في قلب العاشق.. وقد تغيره كثيراً.. وتمتلك عليه اتجاهاته وسلوكياته وتتحكم فيها..
مما يظهر ذلك في حياته وأقواله وأفعاله..
فكم قرأنا من كلمات لبعضهم.. وأدركنا أن وراء حياتهم حباً صادقاً يسيطر على أفكارهم ومشاعرهم.
أن الحب لا يتجسد إلآ القلوب الطاهرة ولا ينبت إلآ بين الضمائر الحية..
وقد يموت المحب ويترك وراءه روحاً تهيم به وتتنفس أنفاسه..
فأنها لا تبقى طويلاً.. ولا يستقرَّ لها مستقرّ.. ولا يهنأ له عيشاً غير أن تلتحق به..
وقد ينسى الجميع كل ذلك.. ولكن تبقى وحدها التي تتذكره وتتمنى لقياه..
وقد رأيت في واقع حياتي تلك الأعين التي أغمضت أجفانها ورقدت أجسادها تحت ترابها..
وكل ذلك من أجل ذلك الحب.. لأن الحب الحقيقي يحمل كل تلك المشاعر..
والتي ندر وجودها بين الناس..
وللمشاعر بقية . . .