هي.. وأنا.. والحب..
by
, 25-04-2010 at 19:06 (5450 المشاهدات)
قالت :
أريد أن أحب.. فهل تعرف طريقاً للحب.. ؟
قلت :
ليس هناك طريقاً ولا عنواناً يدلنا على الحب غير صدق القلوب وطهارتها..
قالت :
ولكن قلبي تمرّد عليّ وصرخ بوجهي وقال : دعينا من هذا الجنون..
قلت :
حينما تتمرّد القلوب على أصحابها تكون قد أرهقتها الليالي وأتعبها المسير..
وكأنها أخذت نصيبها من حياتها..
قالت :
هو حب واحد لا غيره خفق له قلبي.. لكن نهايته كانت مؤلمة وقاسية..
ولعلّ في شفائه هو خفقانه للحب مرة أخرى..
قلت :
دام هذا الإصرار في دخلك وذلك الأمل الذي يشع منه.. فحتماً ستجدينه..
قالت :
وكيف ذلك وقد رأيت أكثر الناس في زماننا هذا باتوا وكأنهم فقدوا قدرتهم على الحب..
فلم أجد من بينهم قلباً صادقاً وفيّاً يحبني للحب نفسه لا أن ينظر إلى جسدي
أكثر من أن ينظر إلى روحي..
فلماذا أصبحوا بهذه الأخلاق البشعة التي تفقدنا الكثير من جمال الحياة.. !!؟
قلت :
أن أكثر الأشياء التي بكوا عليها الناس في حياتهم هي الحب والوفاء والصدق
حتى ماتت مشاعرهم وجفت مياه أوجههم ففسدت أخلاقهم..
وحين شعر الحب بغربته بينهم هرب بعيداً عنهم ليجد له مكاناً غير مكانهم..
فالحب يا سيدتي يأتي حينما يريد ويرحل وقت ما يشاء فليس له سلطاناً يحكمه غير نفسه..
أنه يعرف أين يقيم قواعده ويعلم أيَّ الأماكن التي يرتكز عليها في تواجده..
وأينما يعم الصدق منها تجدينه متمتع فيها ويهنأ له قيامه بها..
ولكن من الصعب جداً أن يبقى ويدرك أنه لا مكان له..
فجدير به أن يتابع مسيرته سواء في بقائه أو رحيله..
قالت :
ولكن يقولون أن الحب لا يأتي إلا المحظوظين من الناس..
قلت :
ليس جميعهم فهناك من الناس من كان سعيداً في تجارته وأمواله
ولكنه تعيساً وشقياً في مشاعره ولم يعرف للحب طريقاً..
وهناك من كان تعيساً ويائساً في تجارته وأعماله
ولكنه سعيداً في مشاعره وقد تجدين في حياته الكثير من الحب والعطاء أكثر من غيره..
لهذا ليس من الضرورة أن يكون الإنسان محظوظاً حتى يجد الحب في حياته..
ولكن الحب هو الذي يجلب الحظ لصاحبه فهو إيمان يجعل من الأحوال
على هيئتها وصدقها في عقل صاحبها..
مما يدرك اقتناعه بها.. وأنه قادر على تخطي الأمور في رديئها وجميلها..
لأن الحب حينما يتنفس في نفس المرء يجعل منه غير الناس..
فيرى ما لا يرون ويشعر ما لا يشعرون به.. أنه قادر على أن يحمل صاحبه وينقله إلى
عالم آخر لا يكون فيه غير الطهارة.. فيرى نضج وصدق أموره في أخلاقه ومشاعره..
ولا يشعر في ذلك ولا يدركه إلا من عاشه في أصدق أحواله..
قد يرى الكثير من البشر أنه جرّب الحب بأصدق ما لديه وله معه مغامرات كثيرة
ولكنه لم يرى ولم ينقله هذا الحب إلى ذلك العالم..
وهذا لأنه لم يعش حباً.. بل عاش علاقة ناجحة..
وهي أحد أركان الحب التي يرتكز عليها في إدارته..
ولكن الحب الحقيقي نادر وجوده لندرة هؤلاء الذين قل وجودهم بيننا..
وقل وجود أخلاقهم الفاضلة ومشاعرهم النبيلة..
قالت :
لقد أوصلتني إلى الشعور وكأن الحب رجل وله إدارة وموظفين
يعملون لديه ويديرهم في جميع أحوالهم..
قلت :
الحب رجل وامرأة في صدقهم ووفائهم.. ومتى قلة كفاءتهم وقدرتهم على العطاء
والصدق أجبرهم على استقالتهم من عملهم ومنصبهم .. وعاقبهم في رحيلهم عنه..
لأنه باقي في عرشه وهم الراحلين لرحيل مشاعرهم وأخلاقهم عنهم..
قالت :
من أين لك كل هذه الروئ والمواقف لتخبرني بها وكأنك عشت الكثير من حياتك..
مع أنه يبدو لي الآن في رؤيتي إليك .. أنك في بداية عمرك..
ولم تصل إلى نصفه كما هو مقدر لك من ربك في شأن حياتك..
قلت :
ليس من الضرورة أن يعيش الإنسان الكثير من أيام حياته ليصل ما وصلت إليه من رؤية واعتقاد في عقلي..
فقد يعيش المرء جميع عمره ولا يدرك من الحياة شيئاً.. لا في مواقفها ولا في تعاليمها..
والكثير من هذه النماذج حولنا وتعيش في وسطنا..
وقد يعيش غيره القليل من حياته.. ولكنه يكون سيد قومه في كثير من اتجاهاتهم
ومواقفهم.. ويعرفهم حتى أكثر من أنفسهم..
لأنه يتأمل كثيراً وسط بحراً من الإيمان وأكثر قرباً للأرواح والمشاعر..
ويبحث لهم عن أفضل أمورهم وأحوالهم..
ولهم حريتهم دون أن يفرض عليهم شيئاً..
فمن كان منهم صالحاً سيتبع صلاحه.. ومن كان طالحاً سيركض وراء فساده..
وهذه النماذج قليلة ما تعيش بيننا..
فالإيمان والحب والقناعة هي التي ترسل المرء إلى صدقه وعمقه..
وتجعله يدرك ما لم يدركه غيره في حياته..
وكأنها اختصرت له الكثير من أوقاته.. وبعثته إلى أزمنة أخرى سواء قبله أو بعده..
لأن الله عز وجل حينما يطلق الإيمان في نفس عبده.. يجعله يرى هذه الدنيا
أصغر بكثير من صغرها.. فيعرف عنها ما يريد معرفته منها..
والذي يرى الدنيا كبيرة في نفسه.. قد تجدينه في أكثر الأحيان صغيراً في أنفس غيره..
ومن يراها صغيره في أعماقه.. فستجدينه كبيراً في كل الأحيان..
ولا أقصد أن يترك الإنسان الحياة ولا يتمتع بحقوقه المشروعة ويزهد في أموره فتصغر
حياته بنظره .. وإنما عليه أن يوفق بينهما ويعيش حياته بكل مقاييسها وجمالها في
دنياه وآخرته.. ليكون في الميزان فيدرك ما له وما عليه..
حينها سيعرف كل ما حوله بصدق وأمانة..
قالت :
أن كلامك هذا يذكرني في قيس مجنون ليلى..
وكم كانت الدنيا صغيرة في عينيه في بُعدها وفراقها عنه..
وكم هو مؤمن في نفسه وحبه لها حتى أصبح سيداً لعشاق زمانه..
قلت :
قيس العاشق الهائم ليس مجنوناً بقدر ما هو أعقل العقلاء لأنه وصل إلى قمم
المشاعر وأنبلها.. فلم يحتمل بعده وفراقه عن محبوبته فذهب عقله معها..
وأصبح يتحسر عليها ويناشدها في كل مكان.. فاحتلت جميع قصائده..
فهل المجنون إذا كان مجنوناً يدرك ما حوله.. ؟ ويعي ما يشعر وما ينطق به .. ؟
وينسى كل الناس ويذكر واحداً منهم.. !؟
هل هذا هو الجنون.. !!؟
إن كان كذلك.. فنحن كلنا مجانين.. !؟
فما كان قيساً إلا أنبل النبلاء وأوفى الأوفياء وأعقلهم عقلاً..
لأنه فقد عقله في سبيل الحب بإرادته وبطيب أخلاقه ورهافة إحساسه..
فلو كان غير ذلك فما تخلّد أسمه بيننا ولا بقى منه شيئاً ونسي حتى أسم ليلاه..
فكانت ليلى محظوظة بحب قيس.. لأنها تخلّدت في وقت ذكر أسمه..
قالت :
ومن أين لنا بحب مثل حب قيس لليلى.. ! ؟
فكلما اقرأ عنهم و أتذكر أحوالهم ورحيلهم..
أشعر أن الحب رحل معهم ولم يبقى لهؤلاء بقية..
قلت :
الحب باقي ومازال هناك بيننا بشراً مازالوا قادرين على صون أخلاقهم ومشاعرهم..
وأن لحظة صدق من عمرهم هي كل أعمارهم فلا يفرطون بها مهما كانت ظروفهم..
ولكن قدرتنا على التمييز بين الأشياء أصبحت ضئيلة جداً.. فلا نرى منها غير ظاهرها
فانجرفنا إليها وغرقنا فيها حتى انعدمت حقائق رؤيتنا ..
مما وضع ذلك في داخلنا إيماناً بأن لا وجود لتلك الأخلاق والمشاعر بيننا..
فبعض الناس يرى أن للحب فوصول يأتي بها كفصول السنة التي تمر علينا في أوقاتها..
فينتظرها ويبقى يراقب تفاوتها بين حين وحين.. دون أن يحب.. !!
والبعض الآخر يرى أن بقاء الإنسان بغير الحب ودون أن ينبض له قلبه..
هو لأنه لم يأتي أوانه ولم يحن حينه..
ويرى بعضهم أيضاً أن لحظات الحب تأتي سريعاً كاللحظات العابرة..
وأن لم يدركها الإنسان رحلت عنه ولن تعود إليه أبداً..
وآخرون يرون أن الحب نوعاً من أنواع التسلية التي يلهون بها
ويسعون جاهدين لتحقيق الكثير من حالات الحب في حياتهم..
فيجدون أن مشاعر غيرهم مطروحة على الشوارع..
وأنها مزاد والكل يرفع سعره ليشتري تلك المشاعر علّه يحصل عليها..
أو يجد من يتنازل له عنها سواء تبرع أو كرماً منه..
فالحب يا صديقتي لا يعترف بمبدأ البيع والشراء أو التنازل أبداً..
وأني دائماً أسمع عن بعض الأمثلة الساذجة في الحب ولا أحبها..
فمنها من يقول من يشتريك لا تبيعه.. أو من باعك لا تشتريه..
فهذه ألفاظ البيع والشراء لا ينبغي أن يزجها ويُدخلها الغير
في منطقة الحب مهما كان غرضها..
لأن الحب أكبر وأسمى وأطهر بكثير من أن تدخل عليه هذه الأسماء المتداولة..
وكأنه في بورصة أسهم يوماً ترتفع وآخر تنخفض..
فالحب الصادق والطاهر يبقى مرتفعاً مع طهارة وصدق صاحبه..
هنا إذا جاء الحب يأتي معه كل شئ.. وإذا رحل يأخذ معه كل شئ..
وقد لا يترك له عنواناً من بعده..
وقد لا يبقي منه شيئاً غير بقايا من الرماد أو بقايا من الذكرى..
فيدير بوجهه ويحمل معه كل شئ..
ويبقى الإنسان من بعده متحسراً حائراً لا يعلم مكاناً له ولا موعداً قد يلتقي به..
للمشاعر بقية . . .